بين الواقعية والمتعة: كيف تُعزز الألعاب تجربتها بتجاوز قوانين الواقع؟

تجربة اللعب

منذ مدة قد شاهدت فيديو لبعض متسلقي الجبال يراجعون بعض القفزات المختلفة في لعبة uncharted 4، وقد كانوا منذهلين من بعضها بسبب “عدم واقعيتها” او لنقل، يجب أن تكون محترفا حقيقا حتى تقوم بتلك الحركات.

ففي حين تُعرف هذه اللعبة بجمالياتها الرسومية المذهلة وعالمها الواقعي المفصل، إلا أنها تتسم ببعض الانحرافات عن الواقعية، خصوصًا في نظام القفز والباركور، والذي يبقى مُمتعًا على الرغم من عدم واقعيته.

ستتعرف من خلال هذا المقال على مبادء المحاكاة واقعية بشكل تفصيلي، وكيف ساهمت هذه “الغير واقعية” في إنجاح الألعاب مثل إنشارتيد. وفيه استعرض فوائد المحاكاة الواقعية في ألعاب الفيديو المختلفة وتاثيره على تجربة اللعب.

ولكن، لن أغفل عن الحديث عن عيوب الإفراط في الواقعية، وكيف يمكن أن تُثقل كاهل اللعبة وتُعيق متعتها.

ستتعلم كيفية تحديد متى تكون المحاكاة الواقعية ضرورية لنجاح اللعبة، ومتى تكون متعة اللاعب هي الهدف الأسمى، وذلك عبر تحليل دقيق لبعض الأمثلة العملية.

ستُساعدك هذه المعرفة في رحلتك كمطور ألعاب، لتتمكن من اتخاذ القرارات المناسبة في تصميم ألعابك القادمة، وإيجاد ذلك التوازن المثالي بين الواقعية والمتعة.

واقعية القفز في انشارند: دراسة حالة

دعنا اتناول مثالي الاول لاني علملي بما فيه الكفاية ويُبرز هذه المعادلة الدقيقة بين الواقعية ومتعة اللعب: نظام القفز في لعبة “انشارند”.

بدلاً من محاكاة دقيقة للجاذبية ومقاومة الهواء، نجد أن قفزات الشخصية مرتفعة بشكل غير متوقع، وتمنح اللاعب حرية حركة أكبر بكثير مما يُتوقع في عالم حقيقي. هذا الاختلاف الجوهري لا يُقلل من جودة اللعبة، بل يُعززها.

فهو يُسهل التحكم في الشخصية، ويمنح اللاعب إحساساً بالقدرة والسيطرة، ما يُشجع على الاستكشاف والتفاعل مع بيئة اللعبة بطرق مُبتكرة.

فلو كانت قفزات الشخصية واقعية تماماً، لربما أصبحت الحركة بطيئة ومملة، مقيدة بقوانين فيزيائية مُرهقة قد تُعيق من سرعة وتيرة اللعبة، مما يُفقدها جزءاً من إثارتها.

هنا، نرى كيف أن خرق الواقعية، بشكل مدروس وواعٍ، يخدم تجربة اللاعب ويُحسّنها، بدلاً من أن يُعيقها. فهدف اللعبة ليس محاكاة دقيقة للعالم الحقيقي، بل خلق تجربة تفاعلية مُمتعة.

و في “انشارند”، يُساهم نظام القفز المُبسّط في تحقيق هذا الهدف بشكل مثالي، مُقدّماً تجربة لعب سلسة ومُمتعة تتجاوز حدود الواقعية المباشرة لصالح متعة اللاعب وتجربته. فالنظام، بهذا الشكل، لا يُشكل عائقاً، بل يُصبح أداة فعالة لتعزيز تجربة اللعب.

فوائد المحاكاة الواقعية في ألعاب الفيديو

هناك الكثير من الفوائد الجمة التي تجنيها ألعاب الفيديو من تبنيها لمحاكاة الواقعية. رغم أن المحاكاة ليست هدفاً بحد ذاتها -ليس لكل الألعاب-، بل أداةٌ قويةٌ تُوظَّف لتعزيز تجربة اللعب، مُضفيةً عليها عمقاً وإثارةً لا تُضاهى.

عندما تُحسِّن الألعاب محاكاتها للعالم الحقيقي، تُسهم بذلك في زيادة الانغماس بشكلٍ ملحوظ. يتفاعل اللاعب مع بيئة افتراضية تبدو واقعية، مما يشعره بالاندماج التام مع عالم اللعبة، ويكسبه شعوراً بالوجود الحقيقي داخلها.

هذا الانغماس يُترجم إلى تجربة لعب أكثر إثارةً وتشويقاً، تُبقي اللاعب مُعلّقاً على حافة مقعده لساعاتٍ طويلة.

إضافةً إلى ذلك، تُسهم الواقعية في تعزيز الإحساس بالصعوبة والتحدي. فكلما اقتربت محاكاة اللعبة من الواقع، ازدادت متطلبات إتقانها، مما يُضفي على نجاح اللاعب طعماً خاصاً بإنجازٍ حقيقي.

فالتغلب على تحدياتٍ مُحاكاةٍ بدقةٍ عالية يُوَلِّد شعوراً عميقاً بالإنجاز والفخر، يُشبه إلى حدٍ كبير الشعور الذي يُرافق تحقيق الإنجازات في الحياة الواقعية.

هذا الشعور يُعزز من الرضا عن اللعبة و يُشجع اللاعب على المُضيّ قدماً واكتشاف ما تحتوي عليه من مفاجآتٍ وتحديات.

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الألعاب الناجحة حققت توازناً مثالياً بين الواقعية والمتعة، مُقدّمةً تجربة لعب مُرضية للاعبين بفضل هذا التوازن المدروس، مثل سلسلة ألعاب “سيمز” التي تُحاكي حياة شخصية بطريقةٍ واقعية لكنها لا تخلو من الجانب الترفيهي، أو حتى بعض ألعاب السباق التي تُركِّز على دقة محاكاة السيارات والفيزياء، مُخلقةً بذلك تجربة قريبة جداً من الواقع لكنها تُبقي الجانب الترفيهي أساسياً.

عيوب المحاكاة الواقعية المفرطة

المقال في الاصل يتحدث عن كيف تتجنب هذه المحاكاة، ولكن فقط المفرطة منها، ففي سعيك وراء محاكاة دقيقة للعالم الحقيقي، قد تُضحي بأشياء جوهرية في تجربة اللعب.

فالتحدي يكمن في إيجاد التوازن الصحيح؛ فالتفاصيل الدقيقة المفرطة، التي قد تبدو رائعة نظرياً، قد تتحول إلى عبء ثقيل على كاهل اللاعب.

تخيل مثلاً لعبة تتطلب إتقانًا دقيقًا للفيزياء الواقعية في كل حركة، فقد تصبح صعبة للغاية، مُحبطة، وبعيدة عن متناول الكثيرين. هذه الدقة المطلقة قد تُفقد اللعبة عنصر المتعة والترفيه الأساسيّ، وتحولها إلى مهمة شاقة بدلاً من تجربة ممتعة.

فكر في ألعاب محاكاة الطيران مثلاً، فبعضها يُقدم مستوىً عالٍ جدًا من الواقعية، يُطالب اللاعب بمعرفةٍ متقدمةٍ بميكانيكا الطيران ومراقبة عشرات المؤشرات، مما يُحدّ من قاعدة اللاعبين ويُبعد اللاعبين المتساهلين عن تجربتها.

هذا الأمر ينطبق أيضاً على ألعاب السيارات، فالتحكم الدقيق المتناهي قد يكون مُرهقًا للاعبين الذين يبحثون عن تجربة سباق اكثر من التحكم في كل تفصيلة صغيرة في سيارته.

أكثر من ذلك، قد تُقيّد هذه الواقعية المفرطة إبداع المصممين، فبدلاً من التركيز على تصميم عالم مُمتع ومُشوق، يُجبرون على قضاء وقت طويل في محاكاةٍ دقيقةٍ لواقعٍ قد لا يكون مُناسبًا لبيئة اللعبة!

بمعنى آخر، السعي وراء الواقعية المُطلقة قد يُؤدي إلى نتائج عكسية، مُحوّلاً تجربة اللعب من رحلة ممتعة إلى مهمة مُعقدة، مُفقدة لروح المتعة التي تُعتبر جوهر ألعاب الفيديو.

متى تكون المحاكاة الواقعية ضرورية؟

عندما نرجع إلى مثال محاكاة الطيران وقلنا أن المطلوب هو تعليم “اللاعب” كيفي يقودها، لا يمكننا تجاهل الدقة والواقعية في محاكاة الديناميكا الهوائية وقوانين الفيزياء الحاكمة لحركة الطائرة.

فاختلاف بسيط في هذه المحاكاة قد يؤدي إلى نتائج كارثية، ليس فقط من منظور اللعبة نفسها، بل قد يُعيق تعلم اللاعب للعمليات الحقيقية في حال كان يستخدم اللعبة كأداة تدريبية.

وهناك ألعاب المحاكاة الطبية، فهي تُمثل حالة فريدة تُبرز أهمية الواقعية بشكل جلي. ففي هذه الألعاب، يتطلب الأمر دقة متناهية في محاكاة العمليات الجراحية، والأعراض المرضية، وتفاعلات الأدوية.

ليس فقط لضمان تجربة لعب ممتعة، وإنما أيضاً لضمان تقديم تجربة تعليمية مفيدة للمهنيين الطبيين أو الطلاب في المجال. إذ أن أي انحراف عن الواقع قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، سواءً كانت على مستوى اللعبة أو – وهذا الأهم – على مستوى التعلم والتدريب.

باختصار، تُصبح المحاكاة الواقعية ضرورية حينما تتطلب طبيعة اللعبة دقة عالية في محاكاة نظام أو عملية حقيقية، او تدريب للعالم الواقعي، حيث تُمثل هذه الدقة الركيزة الأساسية لنجاح اللعبة، سواءً من حيث المتعة أو من حيث هدفها التعليمي أو التدريبي.

ففي هذه الحالات، لا تُعد الواقعية مجرد عنصر اختياري، بل هي جوهر اللعبة نفسها.

متى تكون متعة اللعب أهم من الواقعية؟

تخيّل نفسك تلعب لعبة منصات كلاسيكية، تلك التي تتطلب منك قفزات دقيقة ومتسلسلة عبر منحدرات وعوائق مستحيلة تقريباً في العالم الحقيقي.هل تتوقع أن تكون تلك القفزات مطابقة لقوانين الفيزياء الحقيقية؟ 

بالطبع لا! فمتعة هذه الألعاب تكمن في إتقان نظام التحكم، وتوقيت القفزات بدقة، والشعور بالإنجاز عند التغلب على تحدٍ صعب. هنا، تُصبح الواقعية عائقاً يُعيق المتعة بدلاً من تعزيزها.

فالتنازل عن الدقة الفيزيائية المُطلقة، والاعتماد على آليات لعب مُبسطة و مُرضية، يُضفي على التجربة إحساساً بالسيطرة والتمكين، وهو ما يُشكل جوهر متعة اللعب في هذه الفئة من الألعاب.

ولو نظرنا إلى ألعاب القتال، سنجد نفس المنطق مُطبقاً بشكل أوضح.

هل ترى شخصاً يُطلق لكمات بوزن مئات الكيلوغرامات في العالم الحقيقي بسرعة فائقة ودقة مذهلة؟ بالطبع لا! لكن في ألعاب القتال، تُضيف هذه المبالغات الواقعية، المتعمدة، بعداً آخر من المتعة، فهي تُتيح إمكانية تنفيذ حركات مُذهلة ومُبهرة، وتُركز على الإستراتيجية والمهارة في التنفيذ بدلاً من التقيد بقيود الواقع.

ففي النهاية، هدفنا هو إيجاد التوازن بين الواقعية ومُتعة العب، وليس التقيد الأعمى بأحدها على حساب الآخر.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments