تطوير الالعاب بلا محركات العاب؟ كيف ولماذا

محركاتبرمجة

تخيّل أنك تقف أمام لوحة قماش فارغة، جاهزٌ لرسم لوحتك الخاصة دون قيودٍ مُسبقة. هذا هو الشعور الذي يُمكنك تحقيقه عند تطوير لعبةٍ من الصفر، بدون استخدام محرك ألعاب جاهز. 

قد يبدو هذا التحدّي صعبًا في البداية، لكنه يُخفي في طياته فوائدٍ جمة ستُثري رحلتك كمُطوّر ألعاب بشكلٍ كبير. 

أولاً، ستحصل على فهمٍ أعمق وأشمل لأساسيات برمجة الألعاب، بدءًا من إدارة الذاكرة وصولاً إلى التعامل مع الرسوميات والفيزياء. هذا الفهم المتعمّق سيمكّنك من حلّ المشكلات بكفاءةٍ أعلى، وسيُساعدك في تطوير مهاراتك البرمجية بشكلٍ ملحوظ. 

ثانيًا، ستحظى بتحكمٍ كاملٍ دقيق في كل جانب من جوانب لعبتك، من تصميم واجهة المستخدم وصولاً إلى آليات اللعب المعقّدة. لن تكون مقيّدًا بحدود محرك معين، بل ستمتلك الحرية الكاملة في تصميم تجربة فريدة ومبتكرة. 

هذا يمنحك القدرة على التخصيص الكامل لشيفرتك (script) مما يسمح لك بتحسين أداء اللعبة وتعديلها حسب رغبتك دون أي قيود. بالإضافة إلى ذلك، ستكتسب خبرةً قيّمة لا تُقدّر بثمن، خبرةٌ يصعب الحصول عليها عند الاعتماد على محركات الألعاب الجاهزة. 

لذا، كيف تبدء في رحلة انشاء لعبتك الاولى دون محرك العاب؟

1- اختيار لغة البرمجة والأدوات الأساسية:

عند اختيار لغة البرمجة المناسبة لمشروعك، ستجد أمامك عدة خيارات، ولكل منها مميزاتها وعيوبها. فمثلاً، تُعتبر لغة C++ خيارًا قويًا لتطوير ألعاب عالية الأداء، لما تتمتع به من سرعة وكفاءة، إلا أنها تتطلب خبرة برمجية متقدمة وفهمًا عميقًا لإدارة الذاكرة. 

أما C#، فتُعدّ لغة أكثر سهولة في التعلم، وتوفر بيئة تطوير مرنة، لكنها قد لا تكون بنفس كفاءة C++ في الألعاب المعقدة. 

وبالنسبة لـ Java، فهي لغة متعددة الأغراض، تُستخدم في تطوير الألعاب، لكنها قد لا تكون الخيار الأمثل للألعاب التي تتطلب أداءً عاليًا للغاية.

إلى جانب اختيار اللغة، ستحتاج إلى مكتبات رسومية تُمكّنك من عرض اللعبة على الشاشة. تُعدّ OpenGL و DirectX من الخيارات الشائعة، حيث تُوفر واجهة برمجة تطبيقات (API) قوية لعرض الرسوميات ثنائية وثلاثية الأبعاد. OpenGL تُعتبر أكثر قابلية للنقل بين الأنظمة، بينما DirectX مُحسّنة بشكل خاص لأنظمة Windows. 

أما مكتبة SDL (Simple DirectMedia Layer)، فهي مكتبة أبسط وأسهل في التعامل معها للمبتدئين، وتدعم العديد من أنظمة التشغيل، وتُعتبر خيارًا ممتازًا لتجربة تطوير ألعاب صغيرة قبل الانتقال إلى خيارات أكثر تعقيدًا. 

تذكر أنَّ هذا الاختيار يعتمد بشكل كبير على مستوى خبرتك، ومواصفات اللعبة التي تنوي تطويرها، فالبداية بمكتبة SDL قد تكون أسهل، بينما قد تحتاج لـ OpenGL أو DirectX لألعاب ذات رسوميات متقدمة. 

2- تصميم اللعبة و البنية الأساسية (Architecture):

قبل أن تغرق في بحر البرمجة، عليك يا صديقي، أن ترسم خارطة طريق واضحة للعبة التي تُريد إبداعها. فالتصميم الجيد هو أساس بناء لعبة متينة وقابلة للتطوير. 

تخيّل الأمر كبناء منزل: لن تبدأ بصبّ الأساسات قبل وضع تصاميم دقيقة للمخططات الهندسية، أليس كذلك؟ هنا، تصميم اللعبة هو تلك المخططات. يُشكل هذا التصميم بنية اللعبة الأساسية (Architecture)، وهي بمثابة الهيكل العظمي الذي يحمل كلّ مكوناتها. 

فكر في كيفية إدارة الأحداث والمدخلات في لعبتك، كيف تتفاعل عناصرها مع بعضها البعض. على سبيل المثال، كيف ستتعامل اللعبة مع ضغط اللاعب على زرّ القفز؟ هذا ما يُعرف بإدارة الأحداث (Event Handling). 

ثم، هناك جانب الرسوميات (Graphics)، كيف ستُعرض الشخصيات والبيئات؟ هل ستعتمد على رسوميات ثنائية الأبعاد بسيطة أم رسوميات ثلاثية الأبعاد معقدة؟ تذكر أنك لست مُلزماً بإنشاء رسوميات عالية الدقة؛ فالبساطة قد تكون سلاحك الأمثل في البداية. 

لا تنسَ أيضاً الفيزياء (Physics)؛ كيف ستتحرك الشخصيات؟ كيف ستتفاعل الكرات مع بعضها البعض عند الاصطدام؟ كل هذه الجوانب تحتاج لتخطيط دقيق. 

ولكي تُسهّل عليك عملية تطوير لعبة كبيرة، يُنصح باتباع أنماط تصميم البرمجيات. أنماط مثل نموذج العرض – التحكم (Model-View-Controller – MVC) أو نظام الكيان – المكون (Entity Component System – ECS) ستُساعدك على تنظيم تعليماتك البرمجية (code) بحق، وتسهّل عملية إضافة ميزات جديدة أو إجراء تعديلات لاحقاً. 

بهذه الطريقة، ستحافظ على بنية منظمة وسهلة الفهم، حتى مع تطور اللعبة وتضخم حجم تعليماتك. تذكر أن التخطيط الجيد الآن سيُوفر عليك الكثير من الجهد والوقت لاحقاً.

3- المكونات الأساسية للعبة (أمثلة عملية):

لنبدأ الآن في استعراض المكونات الأساسية التي تُشكل جوهر أي لعبة، حتى وإن قمت بتطويرها من الصفر دون الاعتماد على محرّك ألعاب. 

تخيل، مثلاً، لعبة بسيطة تتضمن كرة تتحرك على الشاشة. فمن أجل تحقيق ذلك: 

ستحتاج أولاً إلى إدارة المدخلات (Input Management). هذه المرحلة تُعنى بترجمة أوامر اللاعب إلى تعليمات يفهمها البرنامج. فإذا كنت ترغب في تحريك الكرة باستخدام مفاتيح الأسهم، فإنّ نظامك يجب أن يستشعر الضغط على كل مفتاح، ويُترجم ذلك إلى تغيير في اتجاه أو سرعة الكرة.
هذا يتطلب منك كتابة شفرة برمجية (script) تستجيب لهذه الأحداث وتُحدِث التغييرات اللازمة في بيانات اللعبة. 

أما تصيير (Rendering)، فهو مسؤول عن عرض عناصر اللعبة على الشاشة. ستحتاج إلى استخدام مكتبة رسوميات (مثل OpenGL أو DirectX) لرسم الكرة، وتحديد لونها وحجمها وموقعها على الشاشة في كل لحظة.
هنا ستتعامل مع مبادئ الرسم ثنائي أو ثلاثي الأبعاد، وربما ستحتاج إلى التلاعب بالضوء والظلال لإضافة واقعية أكثر.

ثم يأتي دور المنطق الأساسي للعبة (Game Logic)، وهو قلب اللعبة النابض. هذه المرحلة تُحدد كيف تتصرف الكرة، وكيف تتفاعل مع حدود الشاشة، وكم سرعة حركتها، وما هي القواعد التي تحكمها. 

ستُكتب هنا شفرات برمجية تُحدّث حالة اللعبة باستمرار، من خلال حساب موقع الكرة الجديد في كل إطار زمني. 

وأخيراً، يأتي دور كشف التصادمات (Collision Detection)، وهو عنصر هامّ لضمان عمل اللعبة بسلاسة. في مثال الكرة، قد ترغب في منعها من الخروج من الشاشة، أو ربما إضافة جدار تمنع الكرة من اختراقه. 

هذا يتطلب تطوير خوارزميات تُحدد ما إذا كانت الكرة قد اصطدمت بأي شيء آخر، وما هو رد الفعل المناسب على هذا الاصطدام. 

كل هذه المكونات، وإن بدت بسيطة في هذه اللعبة، تُشكل أساس أي لعبة، مهما كانت معقدة، وتُمثل تحديًا مثيراً لمطوّر اللعبة المستقل. وبها تتمركز عندك المفاهيم والعناصر الاساسية التي منها تستطيع التطور أكثر

التحديات والصعوبات المحتملة

لنكن صريحين، رحلتك في تطوير لعبة من الصفر دون اللجوء إلى محرك ألعاب ليست مفروشة بالورود. ستواجهك تحديات جمة تتطلب منك الصبر والمثابرة والإصرار. 

أولها، بلا شك، تعقيد البرمجة. فبدلاً من الاعتماد على مكتبات جاهزة ووظائف مُبسطة يوفرها محرك اللعبة، ستكون أنت المسؤول عن بناء كل شيء من الألف إلى الياء، بدءًا من إدارة الذاكرة وحتى معالجة الرسوميات. 

هذا يعني غوصًا عميقًا في تفاصيل البرمجة، ما قد يستغرق وقتًا أطول بكثير مما تتوقعه.

ثانيًا، توقع أن يمتد وقت تطوير لعبتك بشكلٍ ملحوظ. فكل ميزة أو وظيفة صغيرة ستحتاج إلى وقت وجهد أكبر لبنائها من الصفر، مقارنةً باستخدام محرك ألعاب مُجهز مسبقاً بهذه الوظائف. 

هذا يتطلب منك إدارة وقتك بكفاءة عالية وتخطيطًا دقيقًا لجميع مراحل التطوير. كما أنك ستحتاج إلى مستوى متقدم من المعرفة في مجالي البرمجة و الرسوميات، فالمهمة تتجاوز مجرد كتابة التعليمات، بل تتطلب فهمًا عميقًا للخوارزميات، وبناء النماذج ثلاثية الأبعاد، وكتابة الشيفرات الخاصة بالرسوميات.

أخيرًا، لا تغفل احتمال عدم الوصول إلى نتائج مرضية في البداية. فبدون خبرة كافية، قد تواجهك مشكلات تقنية يصعب حلها، أو قد لا تتمكن من تحقيق مستوى الجودة الذي تصبو إليه في الرسوميات أو الأداء. 

لذا، من الضروري أن تبدأ بمشاريع صغيرة نسبياً لاختبار قدراتك وتطوير مهاراتك قبل الشروع في مشاريع أكبر وأكثر تعقيدًا.

تذكر، هذا الطريق مليء بالتحديات، لكنه يُثري خبرتك بشكلٍ كبير ويمنحك فهماً عميقاً لآليات عمل الألعاب، مما يجعلك مُطورًا أكثر كفاءة في المستقبل.

وفي حال واجهتك مشكلة في هذا الطريق او تريد نصائح او دروس خاصة باي مكتبة متعلقة ببناء لعبتك من الصفر، سواء كانت مكتبة برمجية او مكتبات رسوميات، فأكتب لنا تعليقا بذلك او راسلنا الان

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments